إن الدين عند الله هو الإسلام( الجزء الاول) انتظرو الجزء الثانى
صفحة 1 من اصل 1
إن الدين عند الله هو الإسلام( الجزء الاول) انتظرو الجزء الثانى
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، اللهم صل وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين ..
أما بعد ..
فحياكم الله جميعا أيها الأخوة الفضلاء وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته ، إنه ولى ذلك والقادر عليه ..
أيها الأحبة :
نحن اليوم على موعد مع الدرس السادس والأربعين من دروس شرح أحاديث الإمام البخاري رحمه الله تعالى ، وطيب ثراه ولا زلنا مع كتاب الإيمان مع الباب التاسع عشر من أبواب كتاب الإيمان من صحيح الإمام البخاري .
ولقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله لهذا الباب ترجمة فقهية بليغة فقال : باب : إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لقوله تعالى : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا )(الحجرات/14) فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ )(آل عمران/19) هذه ترجمة الباب .
أكرر الترجمة مرة أخرى لما تنطوى عليه من فقه سأوضحه الآن إن شاء الله تعالى يقول : باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة – ولا شك أن الجواب هنا محذوف جواب إذا محذوف باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة ، جواب إذا محذوف ألا وهو : لا ينفع في الآخرة - باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل ، لقوله تعالى : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) (الحجرات/14) فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ )(آل عمران/19)
روى الإمام البخاري في هذا الباب حديثا قال : حدثنا أبو اليمان قال : أخبرنا شعيب عن الزهري قال : أخبرنا عامر بن سعد بن أبي وقاص عن سعد ، أن رسول الله : أعطى رهطاً– أي من الصدقات ، أعطى رهطا – والرهط هو العدد من الثلاثة إلى العشرة أو يزيد عند بعض أهل اللغة ، ولكن هذا هو الراجح من أقوالهم .
يقول سعد بن أبي وقاص : أعطى رسول الله رهطا وسعد جالس ، فترك رسول الله رجلا هو أعجبهم إليه _ يعنى لم يعط النبي رجلا من الحاضرين .
هذا الرجل صرحت رواية الواقدى باسمه وهو : جعيل بن سراقة الضمري ، يقول سعد _ رضوان الله عليه _ فأعطى رسول الله ولم يعطى رجلا هو أعجبهم إليه فقلت : يا رسول الله مالك عن فلان ؟ مالك عن فلان يعنى : لِم لمَ تعط فلانا ، فوالله إني لأُراه مؤمنا أو لأَراه مؤمنا .
إن كان الإمام النووي قد رجح الفتح رجح : إني لأَراه وهناك من أهل العلم من رجح : لأُراه إلا أن الفتح أبلغ كما قال الإمام النووي رحمه الله تعالى ، لأن هذه العبارة أتبعها سعد رضوان الله عليه بقوله : ثم غلبني ما أعلم منه فهذه تثبت اليقين ، لأن – إني لأُراه تحتمل الشك لكن – إني لأَراه لا تحمل إلا معني اليقين فأكد القول بالفتح قول سعد : ثم غلبني ما أعلم منه النبي يقول له سعد ابن أبي وقاص : يا رسول الله مالك عن فلان ؟ - يعني لماذا أعطيت هؤلاء ولم تعط فلانا ؟ فوالله إني لأَراه مؤمنا .
تدبر ، لنقف على مناسبة الترجمة والحديث .
يقول سعد : مالك عن فلان فوالله إني لأَراه مؤمنا فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " أو مسلما " أو مسلما يقول سعد : فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه أي الرجل وهو جعيل بن سراقة الضمرى ، ثم غلبني ما أعلم منه فعدت إلى مقالتي فقلت : يا رسول الله مالك عن فلان المرة الثانية ، يعنى : لِم لمَ تعط فلانا ، فوالله إني لأراه مؤمنا فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " أو مسلما " يقول سعد : فسكت ثم غلبني ما أعلم منه فعدت مقالتي وعاد رسول الله لمقالته ثم قال عليه الصلاة والسلام : " يا سعد إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليَّ منه " أي : ممن أعطيته " خشية أن يُكبه الله في النار "1
هذا الحديث مناسبة للترجمة مناسبة ظاهرة جلية إلا وهى أن لفظ المسلم يطلق على من أظهر الإسلام ولم يعلم باطنه من حقيقة الإيمان إن أظهر الإنسان أعمال الإسلام الظاهرة حكم له بالإسلام ، لكن لا يحكم له بالإيمان ، فلا يكون مؤمنا ، لأنه ممن لم تصدق عليه الحقيقة الشرعية أي الإيمان . أما الحقيقة اللغوية فمن الممكن أن تحصل – يعني من الممكن أن يقال : فلان مؤمن لكن من الناحية اللغوية لا الشرعية ، لأن الإيمان لغة – كما سأفصل الآن – يراد به التصديق كما قال الله تعالى حكاية عن أخوة يوسف : ( وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ )(يوسف/17) وما أنت بمؤمن لنا أي ما أنت
بمصدق لنا .
فالأصل اللغوي للإيمان هو التصديق لكن المعني الشرعي للإيمان كما أصلنا قبل ذلك مراراً : قول وتصديق وعمل فالمعني الاصطلاحي والشرعي يختلف تماما عن المعني اللغوي .
المعني اللغوي للإيمان التصديق ، لكن المعني الشرعي والاصطلاحي قول باللسان وتصديق بالجنان ، وعمل بالجوارح والأركان ، هذا معتقد أهل السنة في مسمى الإيمان وفي حقيقة الإيمان .
أقف سريعا على الفوائد العظيمة التي ذكرها الحافظ ابن حجر في هذا الحديث الجميل ، لأرجع لأفصل تفصيلاً في غاية الأهمية .
أرى درس الليلة من أهم دروس كتاب الإيمان – لأفصل لكم تفصيلا معني الإسلام ، ومعني الإيمان ، معنى الإسلام إذا أفرد ، ومعنى الإيمان إذا أفرد ومعنى الإسلام والإيمان إن اقترنا ، ومعنى الإسلام والإيمان إذا افترقا ، فإن محاضرة الليلة من أهم محاضرات كتاب الإيمان .
أقف سريعاً على الفوائد العظيمة التي ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله يقول : وفي حديث الباب من الفوائد : التفرقة بين حقيقتي الإيمان والإسلام هذه أول فائدة و هذا ما سأفصله إن شاء الله تعالى .
وفيه أيضا – أي من الفوائد – الرد على غلاة المرجئة في اكتفائهم بأن الإيمان هو النطق باللسان هذا رد على المرجئة الذين قالوا بأن الإيمان نطق باللسان فحسب والبخاري رحمه الله تعالى يرد على هذا المعتقد طوال الباب يبين أن معتقد المرجئة في الإيمان وأن إرجائهم للأعمال وإخراجهم للأعمال المسمى الإيمان مذهب فاسد .
وفيه أيضا – أي من الفوائد – جواز تصرف الإمام في مال المصالح وتقديم الأهم فالأهم ، لأن النبي أعطى مجموعة من الناس من المؤلفة قلوبهم يعنى أعطاهم ليتألفهم ومنع من هو خير منهم ، وأنتم تعلمون أن ذلك قد وقع من النبي في المدينة لما قسم الغنائم ووجد الأنصار رضوان الله عليهم في أنفسهم شيئا حتى قال قائلهم : والله لقد وجد رسول الله أهله في قومه ، يعنى لما لقي النبي قومه أعطى قومه من المهاجرين ونسي الأنصار الذين نصروه وجاهدوا معه فلما سمع النبي ذلك أمر النبي أن يجمعوا له الأنصار وقام النبي عليه الصلاة والسلام في الأنصار خطيبا ، وخطب فيهم خطبته البليغة العصماء حتى أبكتهم ، يعني أبكتهم كلمات النبي حينما قال لهم " يا معشر الأنصار ما هذه المقالة التي بلغتني عنكم ؟ " أي قلتم : وجد رسول الله قومه وترك الأنصار ثم قال يا معشر الأنصار ما تقولون في لعاعة – أي أمر تافه من أمور الدنيا زائل – أتألف بها أقواما وأكلكم إلى إيمانكم بالله ورسوله ، ماذا لو انطلق الناس جميعا بالشاة والبعير إلى رحالهم وعدتم أنتم برسول الله إلى رحالكم " أي كسب هذا ، فبكى الأنصار رضوان الله عليهم وهم يقولون : رضينا برسول الله قسماً ومغنماً ، رضينا برسول الله قسما ومغنما (1) فالنبي كان يتألف بالمال أقواماً ، ويمنع من أحب إليه ممن أعطى .
فالحديث فيه جواز بأن يتصرف ولي الأمر بما شاء أو بما يرى أن فيه المصلحة للدين وللإسلام .
وفيه أيضا كما يقول الإمام الحافظ ابن حجر : وفيه جواز الشفاعة عند الإمام فيما يعتقد الشافع جوازه ، لأن سعد بن أبي وقاص قد شفع لهذا الرجل في حضرة النبي وفيه تنبيه الصغير للكبير على ما يظن أنه ذهل عنه ، يعني ظن سعد أن الرسول يعنى نسى جعيلا بن سراقة الضمرى فيذكره سعد بن أبي وقاص لعله يكون قد نسيه ففيه تنبيه الصغير وهو سعد للكبير وهو المصطفي على ما يظن أنه ذهل عنه .
وفيه مراجعة المشفوع إليه في الأمر إذا لم يؤد إلى مفسدة ، لأن النبي راجعه وهو الشافع .
وأن الإسرار بالنصيحة أولى من الإعلان ، لأنه ثبت في صحيح البخاري أيضا في كتاب الزكاة أن النبي لما أراد سعد بن أبي وقاص أن يذكره بجعيل يقول سعد : فقمت إلى رسول الله فساررته أي قلت له هذا القول سرا بيني وبينه حتى لا يسمع أحد .
وقد ظن بعض العلماء – علماء الحديث- أن هذه الزيادة انفرد بها مسلم لكنها أيضا في صحيح البخاري ، في كتاب الزكاة ، فقمت إلى رسول الله فساررته ([1]) ، هذه بعض الفوائد المجملة .
وقفوا معي على الفائدة الأولى التي من أجلها أورد الإمام البخاري هذا الحديث لهذه الترجمة الفقهية البليغة والتي قال عنها الحافظ ابن حجر : التفريق بين مرتبتي الإسلام والإيمان هذا هو ما سيق له أو من أجله هذا الأصل ، هو ما سيق من أجله هذا الحديث لهذه الترجمة الفقهية البليغة .
أولا : علق الحافظ ابن كثير على قوله تعالى : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا )(الحجرات/14) قال الحافظ ابن كثير : إن هؤلاء الأعراب المذكورين في الآية ليسوا بمنافقين ، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم فادعوا لأنفسهم مقاماً أعلى مما وصلوا إليه فأدبوا في ذلك (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) (الحجرات/14) لا تقولوا : آمنا لا تدعوا الإيمان ولكن قولوا أسلمنا ، فهم يدعون مرتبة أعلى من مرتبتهم التي وصلوا إليها ، فأدبهم الله تبارك وتعالى ، وذلك خلافاً لمن قال من العلماء بأن هؤلاء الأعراب كانوا من المنافقين .
ولا شك أن هذه الآية والحديث نتعلم منهما أن فرقاً كبيراً بين مرتبتي الإسلام والإيمان ، الإيمان كما أصلنا قبل ذلك مراراً قول باللسان وتصديق بالجنان ، يعني بالقلب وعمل بالجوارح والأركان أما قول اللسان فهو النطق بالشهادتين . أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله قال تعالى : ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا )(البقرة/136) إلى آخر الآيات (قُولُوا) يبقى هذا دليل على قول اللسان وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ )(فصلت/30)
وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر واللفظ للبخاري أن النبي قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله "(1)
هذا قول اللسان اعتقاد القلب ، أو تصديق القلب ، أو قول وعمل القلب حتى لا يلتبس على طالب من طلاب العلم إن وقف على بعض كتب العقيدة فوجد أن الإيمان ، قول باللسان ، وقول بالقلب ، صحيح ، فقول اللسان هو النطق بالشهادتين ، وقول القلب هو : التصديق والاعتقاد ، لا حرج .
تصديق القلب اعتقاد القلب هو قول القلب ، قول القلب هو التصديق واليقين ، وعدم الشك قول وتصديق ، قول القلب أو تصديق القلب هو اليقين وعدم الشك قال الله عز وجل : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ) (الحجرات/15) أي : لم يتشككوا لم تعصف رياح الشكوك بحقيقة الإيمان ، أو اليقين في قلوبهم فابن مسعود يقول : اليقين هو الإيمان كله .
وقال سفيان الثوري : لو وقع اليقين في القلب حقاً لطار القلب شوقاً إلى الله وهرباً من النار ، فقول القلب التصديق وعدم الشك قال الله عز وجل : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (الزمر/33) ولا شك أن هذه الآية في حق أبي بكر .
كتبه الموضوع /شيخنا الجليل الجميل /محمد حسان حفظه الله ورعاه وجزاه عنا كل خير[/
__________________
أما بعد ..
فحياكم الله جميعا أيها الأخوة الفضلاء وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته ، إنه ولى ذلك والقادر عليه ..
أيها الأحبة :
نحن اليوم على موعد مع الدرس السادس والأربعين من دروس شرح أحاديث الإمام البخاري رحمه الله تعالى ، وطيب ثراه ولا زلنا مع كتاب الإيمان مع الباب التاسع عشر من أبواب كتاب الإيمان من صحيح الإمام البخاري .
ولقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله لهذا الباب ترجمة فقهية بليغة فقال : باب : إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لقوله تعالى : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا )(الحجرات/14) فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ )(آل عمران/19) هذه ترجمة الباب .
أكرر الترجمة مرة أخرى لما تنطوى عليه من فقه سأوضحه الآن إن شاء الله تعالى يقول : باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة – ولا شك أن الجواب هنا محذوف جواب إذا محذوف باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة ، جواب إذا محذوف ألا وهو : لا ينفع في الآخرة - باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل ، لقوله تعالى : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) (الحجرات/14) فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ )(آل عمران/19)
روى الإمام البخاري في هذا الباب حديثا قال : حدثنا أبو اليمان قال : أخبرنا شعيب عن الزهري قال : أخبرنا عامر بن سعد بن أبي وقاص عن سعد ، أن رسول الله : أعطى رهطاً– أي من الصدقات ، أعطى رهطا – والرهط هو العدد من الثلاثة إلى العشرة أو يزيد عند بعض أهل اللغة ، ولكن هذا هو الراجح من أقوالهم .
يقول سعد بن أبي وقاص : أعطى رسول الله رهطا وسعد جالس ، فترك رسول الله رجلا هو أعجبهم إليه _ يعنى لم يعط النبي رجلا من الحاضرين .
هذا الرجل صرحت رواية الواقدى باسمه وهو : جعيل بن سراقة الضمري ، يقول سعد _ رضوان الله عليه _ فأعطى رسول الله ولم يعطى رجلا هو أعجبهم إليه فقلت : يا رسول الله مالك عن فلان ؟ مالك عن فلان يعنى : لِم لمَ تعط فلانا ، فوالله إني لأُراه مؤمنا أو لأَراه مؤمنا .
إن كان الإمام النووي قد رجح الفتح رجح : إني لأَراه وهناك من أهل العلم من رجح : لأُراه إلا أن الفتح أبلغ كما قال الإمام النووي رحمه الله تعالى ، لأن هذه العبارة أتبعها سعد رضوان الله عليه بقوله : ثم غلبني ما أعلم منه فهذه تثبت اليقين ، لأن – إني لأُراه تحتمل الشك لكن – إني لأَراه لا تحمل إلا معني اليقين فأكد القول بالفتح قول سعد : ثم غلبني ما أعلم منه النبي يقول له سعد ابن أبي وقاص : يا رسول الله مالك عن فلان ؟ - يعني لماذا أعطيت هؤلاء ولم تعط فلانا ؟ فوالله إني لأَراه مؤمنا .
تدبر ، لنقف على مناسبة الترجمة والحديث .
يقول سعد : مالك عن فلان فوالله إني لأَراه مؤمنا فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " أو مسلما " أو مسلما يقول سعد : فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه أي الرجل وهو جعيل بن سراقة الضمرى ، ثم غلبني ما أعلم منه فعدت إلى مقالتي فقلت : يا رسول الله مالك عن فلان المرة الثانية ، يعنى : لِم لمَ تعط فلانا ، فوالله إني لأراه مؤمنا فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " أو مسلما " يقول سعد : فسكت ثم غلبني ما أعلم منه فعدت مقالتي وعاد رسول الله لمقالته ثم قال عليه الصلاة والسلام : " يا سعد إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليَّ منه " أي : ممن أعطيته " خشية أن يُكبه الله في النار "1
هذا الحديث مناسبة للترجمة مناسبة ظاهرة جلية إلا وهى أن لفظ المسلم يطلق على من أظهر الإسلام ولم يعلم باطنه من حقيقة الإيمان إن أظهر الإنسان أعمال الإسلام الظاهرة حكم له بالإسلام ، لكن لا يحكم له بالإيمان ، فلا يكون مؤمنا ، لأنه ممن لم تصدق عليه الحقيقة الشرعية أي الإيمان . أما الحقيقة اللغوية فمن الممكن أن تحصل – يعني من الممكن أن يقال : فلان مؤمن لكن من الناحية اللغوية لا الشرعية ، لأن الإيمان لغة – كما سأفصل الآن – يراد به التصديق كما قال الله تعالى حكاية عن أخوة يوسف : ( وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ )(يوسف/17) وما أنت بمؤمن لنا أي ما أنت
بمصدق لنا .
فالأصل اللغوي للإيمان هو التصديق لكن المعني الشرعي للإيمان كما أصلنا قبل ذلك مراراً : قول وتصديق وعمل فالمعني الاصطلاحي والشرعي يختلف تماما عن المعني اللغوي .
المعني اللغوي للإيمان التصديق ، لكن المعني الشرعي والاصطلاحي قول باللسان وتصديق بالجنان ، وعمل بالجوارح والأركان ، هذا معتقد أهل السنة في مسمى الإيمان وفي حقيقة الإيمان .
أقف سريعا على الفوائد العظيمة التي ذكرها الحافظ ابن حجر في هذا الحديث الجميل ، لأرجع لأفصل تفصيلاً في غاية الأهمية .
أرى درس الليلة من أهم دروس كتاب الإيمان – لأفصل لكم تفصيلا معني الإسلام ، ومعني الإيمان ، معنى الإسلام إذا أفرد ، ومعنى الإيمان إذا أفرد ومعنى الإسلام والإيمان إن اقترنا ، ومعنى الإسلام والإيمان إذا افترقا ، فإن محاضرة الليلة من أهم محاضرات كتاب الإيمان .
أقف سريعاً على الفوائد العظيمة التي ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله يقول : وفي حديث الباب من الفوائد : التفرقة بين حقيقتي الإيمان والإسلام هذه أول فائدة و هذا ما سأفصله إن شاء الله تعالى .
وفيه أيضا – أي من الفوائد – الرد على غلاة المرجئة في اكتفائهم بأن الإيمان هو النطق باللسان هذا رد على المرجئة الذين قالوا بأن الإيمان نطق باللسان فحسب والبخاري رحمه الله تعالى يرد على هذا المعتقد طوال الباب يبين أن معتقد المرجئة في الإيمان وأن إرجائهم للأعمال وإخراجهم للأعمال المسمى الإيمان مذهب فاسد .
وفيه أيضا – أي من الفوائد – جواز تصرف الإمام في مال المصالح وتقديم الأهم فالأهم ، لأن النبي أعطى مجموعة من الناس من المؤلفة قلوبهم يعنى أعطاهم ليتألفهم ومنع من هو خير منهم ، وأنتم تعلمون أن ذلك قد وقع من النبي في المدينة لما قسم الغنائم ووجد الأنصار رضوان الله عليهم في أنفسهم شيئا حتى قال قائلهم : والله لقد وجد رسول الله أهله في قومه ، يعنى لما لقي النبي قومه أعطى قومه من المهاجرين ونسي الأنصار الذين نصروه وجاهدوا معه فلما سمع النبي ذلك أمر النبي أن يجمعوا له الأنصار وقام النبي عليه الصلاة والسلام في الأنصار خطيبا ، وخطب فيهم خطبته البليغة العصماء حتى أبكتهم ، يعني أبكتهم كلمات النبي حينما قال لهم " يا معشر الأنصار ما هذه المقالة التي بلغتني عنكم ؟ " أي قلتم : وجد رسول الله قومه وترك الأنصار ثم قال يا معشر الأنصار ما تقولون في لعاعة – أي أمر تافه من أمور الدنيا زائل – أتألف بها أقواما وأكلكم إلى إيمانكم بالله ورسوله ، ماذا لو انطلق الناس جميعا بالشاة والبعير إلى رحالهم وعدتم أنتم برسول الله إلى رحالكم " أي كسب هذا ، فبكى الأنصار رضوان الله عليهم وهم يقولون : رضينا برسول الله قسماً ومغنماً ، رضينا برسول الله قسما ومغنما (1) فالنبي كان يتألف بالمال أقواماً ، ويمنع من أحب إليه ممن أعطى .
فالحديث فيه جواز بأن يتصرف ولي الأمر بما شاء أو بما يرى أن فيه المصلحة للدين وللإسلام .
وفيه أيضا كما يقول الإمام الحافظ ابن حجر : وفيه جواز الشفاعة عند الإمام فيما يعتقد الشافع جوازه ، لأن سعد بن أبي وقاص قد شفع لهذا الرجل في حضرة النبي وفيه تنبيه الصغير للكبير على ما يظن أنه ذهل عنه ، يعني ظن سعد أن الرسول يعنى نسى جعيلا بن سراقة الضمرى فيذكره سعد بن أبي وقاص لعله يكون قد نسيه ففيه تنبيه الصغير وهو سعد للكبير وهو المصطفي على ما يظن أنه ذهل عنه .
وفيه مراجعة المشفوع إليه في الأمر إذا لم يؤد إلى مفسدة ، لأن النبي راجعه وهو الشافع .
وأن الإسرار بالنصيحة أولى من الإعلان ، لأنه ثبت في صحيح البخاري أيضا في كتاب الزكاة أن النبي لما أراد سعد بن أبي وقاص أن يذكره بجعيل يقول سعد : فقمت إلى رسول الله فساررته أي قلت له هذا القول سرا بيني وبينه حتى لا يسمع أحد .
وقد ظن بعض العلماء – علماء الحديث- أن هذه الزيادة انفرد بها مسلم لكنها أيضا في صحيح البخاري ، في كتاب الزكاة ، فقمت إلى رسول الله فساررته ([1]) ، هذه بعض الفوائد المجملة .
وقفوا معي على الفائدة الأولى التي من أجلها أورد الإمام البخاري هذا الحديث لهذه الترجمة الفقهية البليغة والتي قال عنها الحافظ ابن حجر : التفريق بين مرتبتي الإسلام والإيمان هذا هو ما سيق له أو من أجله هذا الأصل ، هو ما سيق من أجله هذا الحديث لهذه الترجمة الفقهية البليغة .
أولا : علق الحافظ ابن كثير على قوله تعالى : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا )(الحجرات/14) قال الحافظ ابن كثير : إن هؤلاء الأعراب المذكورين في الآية ليسوا بمنافقين ، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم فادعوا لأنفسهم مقاماً أعلى مما وصلوا إليه فأدبوا في ذلك (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) (الحجرات/14) لا تقولوا : آمنا لا تدعوا الإيمان ولكن قولوا أسلمنا ، فهم يدعون مرتبة أعلى من مرتبتهم التي وصلوا إليها ، فأدبهم الله تبارك وتعالى ، وذلك خلافاً لمن قال من العلماء بأن هؤلاء الأعراب كانوا من المنافقين .
ولا شك أن هذه الآية والحديث نتعلم منهما أن فرقاً كبيراً بين مرتبتي الإسلام والإيمان ، الإيمان كما أصلنا قبل ذلك مراراً قول باللسان وتصديق بالجنان ، يعني بالقلب وعمل بالجوارح والأركان أما قول اللسان فهو النطق بالشهادتين . أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله قال تعالى : ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا )(البقرة/136) إلى آخر الآيات (قُولُوا) يبقى هذا دليل على قول اللسان وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ )(فصلت/30)
وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر واللفظ للبخاري أن النبي قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله "(1)
هذا قول اللسان اعتقاد القلب ، أو تصديق القلب ، أو قول وعمل القلب حتى لا يلتبس على طالب من طلاب العلم إن وقف على بعض كتب العقيدة فوجد أن الإيمان ، قول باللسان ، وقول بالقلب ، صحيح ، فقول اللسان هو النطق بالشهادتين ، وقول القلب هو : التصديق والاعتقاد ، لا حرج .
تصديق القلب اعتقاد القلب هو قول القلب ، قول القلب هو التصديق واليقين ، وعدم الشك قول وتصديق ، قول القلب أو تصديق القلب هو اليقين وعدم الشك قال الله عز وجل : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ) (الحجرات/15) أي : لم يتشككوا لم تعصف رياح الشكوك بحقيقة الإيمان ، أو اليقين في قلوبهم فابن مسعود يقول : اليقين هو الإيمان كله .
وقال سفيان الثوري : لو وقع اليقين في القلب حقاً لطار القلب شوقاً إلى الله وهرباً من النار ، فقول القلب التصديق وعدم الشك قال الله عز وجل : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (الزمر/33) ولا شك أن هذه الآية في حق أبي بكر .
كتبه الموضوع /شيخنا الجليل الجميل /محمد حسان حفظه الله ورعاه وجزاه عنا كل خير[/
__________________
مواضيع مماثلة
» *** مجموعه ابتهالات دينيه للشيخ نصر الدين طوبار (رحمه الله) ,,, على اكثر من سيرفر
» قصه تبين قدرة الله وعظمتة الله بالندن
» قصة امرأة خافت الله فأعزها الله
» أروع أناشيـد ::طيور الجنة:: ياطيبة + لبيك رسول الله ..mp3أجمــل وأروع أناشيــد فرقــة :: طيــور الجنـــة :: (( ياطيبــة _ لبيـك رسول الله ))
» ايميلات علماء الدين
» قصه تبين قدرة الله وعظمتة الله بالندن
» قصة امرأة خافت الله فأعزها الله
» أروع أناشيـد ::طيور الجنة:: ياطيبة + لبيك رسول الله ..mp3أجمــل وأروع أناشيــد فرقــة :: طيــور الجنـــة :: (( ياطيبــة _ لبيـك رسول الله ))
» ايميلات علماء الدين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى